هكذا مرة أخرى يذبح شعب غزة الأبي المجاهد على الهواء مباشرة، مرة أخرى تتناقل الفضائيات مشاهد الجثث المتفحمة وأشلاء الشهداء الكرماء ... هكذا مرة أخرى يباد الشعب الأعزل ... الحر ... المقاوم ... النبيل ... وبتواطؤ الحكام العرب المخنثين ...
إنها مأساة تعجز مفردات اللغة في إحتواء حدودها ... إنه فصل آخر من محرقة صهيونية غاشمة في حق الرجولة ... في حق المقاومة ... في حق شمس الحرية التي لا تشرق إلا من غزة ... في حق الشهامة العربية التي تتجلى بلا تزييف في ذلك القطاع الطاهر الذي حرره الحفاة من أحذية العملاء ... في حق الكبرياء في زمن الخنوع والهوان ... في حق الثورة التي قضمت حروفها في مزادات الخيانة والعمالة ... في حق الشرف الذي لا يعرفه إلا أبناء فلسطين والعراق والصومال ... في حق العزة والكرامة المتجلية في أنبل وأصفى وأبهى صورها ...
لقد ذهبت وزيرة الخارجية الصهيونية ليفني لمصر التاريخ والحضارة، ونالت الضوء الأخضر من الفرعون مبارك لا بارك الله فيه ، لإبادة شعب غزة ... هذه الوزيرة برجولة وفي حضرة أشباه الرجال ، هددت أن تمحو "حماس" المقاومة من الوجود والذي يعني محو شعب فلسطين عن بكرة أبيه ، ويا للعار كان يقف قريبا منها منتعش بعطرها مفتونا بأونثتها وزير خارجية حسني مبارك ولا أقول مصر ، لأنني لا أعتقد أبدا أن أحرار البلد يشرفهم ذلك الغائط – الوزيرالحقل – الذي يخرج من فم الوزير "أبوالغيط"، الذي لم يتجرأ ولو للحظة يحس فيها بالأنفة والرجولة ويحذرها من تهديد هذا الشعب الفقير ... الجائع ... المحاصر ... الأعزل ... إنها قمة الكبرياء الحكومي المصري في زمن ليلى علوي وإلهام شاهين !!... ترى ماذا لو هدد وفد حماس مثلا إسرائيل؟
كيف سيكون رد الحكومة وعملائها لو نطق أحدهم بضرورة رشق الكيان الصهيوني بحذاء منتظر؟!!
إن حكام العرب يفكرون بفروجهم ويحكمون بمؤخراتهم ويقررون بعقول عشيقاتهم ، هكذا يستحقون الوصف ولست ممن عرف عنهم التلفظ بما لا يليق ، ولكن هو الواقع المر في هذا الوقت بالذات الذي تباد فيه غزة وعلى المباشر ... هؤلاء الحكام الذين يثورون على إهانة توجه لبائعات الهوى وعلى القنوات الرسمية من النانسي إلى الهيفاء ، هؤلاء الحكام يشرفون شخصيا على التحقيق في مقتل فلانة أو علانة ممن يشهد الجميع على أنهن داعرات عاهرات فاجرات بإمتياز، ولكن لا يهتز لهم طرف وهم يشاهدون الجثث المتفحمة للشرفاء والأحرار ... يتلذذون بالسخرية على الجرحى الذين يصهلون بالشهادتين وعيونهم ترسل التحدي، ولا يتسلل لهم للحظة الندم على أن حملتهم أمهاتهم على تراب غزة المعفر بالدماء ...
إن شعب غزة صار بحق غصة في حلق هؤلاء الحكام ، فبعد كل مفاوضات سرية وعلنية وزيارات متبادلة ، يسخر الله دم هذا الشعب ليفضح به هؤلاء الطواغيت المتسلطين على شعوبنا ، ولكن لا حياة لمن تنادي ، لأن أمتنا تحولت إلى مجموعات من الخصيان لا يجيدون إلا الولولة والصراخ والبكاء على الأطلال ، ثم العودة إلى البيوت يتسولون لقماتهم من طرف هؤلاء الحكام الخونة ...
يا شهداء غزة لا تنتظروا أحدا منا بلا إستثناء ، ومن الشعوب التي لا تعرف إلا الكلام والصراخ ثم الصمت ، فكم من مجزرة حدثت وكم من محرقة وقعت ولا رد من الشعوب ولا الحكام؟ وكم من شهيد هو الآن حي يعيش بينكم ستطاله قذائف العدو ولن يتحرك أحد؟!!
يا شهداء غزة لا تعولوا على أحد منا ، فنحن لا نجيد إلا الكلام والبكاء والتهديد والوعيد ، فالشعوب التي لم تتمكن من تحرير نفسها من رؤساء بلديات يسرقونهم في وضح النهار، هل من الممكن أن يحرروا غزة وبيت المقدس من يهود وصهاينة يتحكمون في كل العالم؟ !!
يا شهداء غزة لا تتسولوا أحدا فأنتم أغنى وأكرم منّا جميعا ... أنتم أطهر من كل هؤلاء المتخاذلين والخونة ... أنتم أعظم من هؤلاء الحكام الذين هم الآن في قصورهم وعلى موائد الخمر والنبيذ والدعارة يتشفون فيكم ... فمن ليس له غيرة على عرضه فكيف تكون له على أرضه؟ وهل من الممكن أن ينتفضوا لنجدة طهارتكم والشرف يمتهن في كل مكان من طرف مرتزقة عملاء؟ !!
يا شهداء غزة لا تلوموا حسني مبارك فهو مشغول بأن يوصل خديجة الجمال زوجة نجله إلى أن تكون سيدة مصر الأولى ، كما يجري مع قرينته التي يعرف كل العالم حتى مقاس حاملات الصدر التي تستعملها و"أمومتها" المزيفة ... لا تلوموا محمود عباس ابومازن فهو يعيش قصة غرام مع أولمرت وهو الآن يتهجد في محاريبه برام الله أن تصل ليفني إلى منصب رئاسة الحكومة ويشبع شذوذه من تلك الشقراء، عن طريق تقبيل الخدود والأحضان ... محمود عباس الذي يجرم مقاومتكم ... ويصف سفن فك الحصار بأبشع الأوصاف ... هل من الممكن أن يفعل شيئا لصالحكم؟ !!
لا تعولوا على الملوك من الملك السعودي إلى الأردني فكلهم منشغلون برد الإعتبار لحبيب قلوبهم النازي جورج بوش بعد رشقة حذاء في بغداد ... لا تنتظروا شيئا من حكام المغرب العربي فهم في هم آخر غير همكم...
لأول مرة أجد شعبا صغير العدد وبسيط العدة وعلى مساحة محدودة ، شعب فقير وأعزل ، شعب لا يملك كهرباء ولا ماء ولا حليب ، شعب يعيش في الظلام ، شعب لا يملك زيتا للقناديل ولا غازا ولا حطبا يحميه من صقيع الشتاء ... صار يهدد أمن العالم ، صار يرعب الحكام من مختلف الإمبراطوريات ، صار يهدد عروش الجبابرة والمتسلطين والفراعنة ، لأول مرة أرى ذلك مع شعب غزة المحاصر والجريح ... الخذلان والخيانة والخذلان والنخاسة؟ !!
لكم الله يا شعب غزة ... لكم الله ... لكم الله ... أما الشعوب فلا تعولوا عليهم لأن الحكام قد علموهم "نباح" التنديد ...
وأعذروني أنني لم أجد إلا الكلام فأنا أيضا من ضحايا هذا الأمر ، ولكن لي يقين واحد أنكم شعب الفعل، فدعوهم ينادون بإبادتكم وعلموهم أنتم معنى الصمود والمقاومة ... فالشهداء إخوانكم واليتامى أطفالكم والثكالى أمهاتكم والأرامل زوجاتكم ، وحتى إن بكينا دما فأنتم من يحرق الجمر أقدامهم ، وما نحن إلا ممن شاهد دخان اللهب على هذه الفضائيات التي للأسف يرعاها الحكام بأموالهم ودعمهم، فكأنهم يتحدون مشاعركم إلى حد هذا الإبتزاز، فهم يدعون ويوافقون على قتلكم ونهش لحمكم ، ثم يقتلوننا نحن بمشاهد موتاكم... فلنا الله نحن أيضا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للكاتب أنور مالك الشكر والتقدير